بقلوب يعتصرها الحزن، وعيون أغرقتها الدموع، فجعناً برحيل إبنًا بارًا من أبناء السودان، وصوتًا نقيًا من أصوات الحقيقة والإنسانية، ودعنا الصحفي والمتطوع (يوسف هندوسة)، الذي رحل عن دنيانا في زمن الحرب، حيث لا صوت يعلو فوق صوت الألم، لكنه إختار أن يكون صوتًا للضعفاء، وملاذًا للمنكوبين، كان (يوسف) صوتاً معطون بالإنسانية، وعدسةً لا تغضّ البصر عن وجع الناس، وقلبًا نابضًا بالرحمة، لم يكن صحفيًا فقط، بل كان إنسانًا بكل ما تحمله الكلمة من معنى، جال في ربوع الوطن الجريح، يحمل على كتفيه القلم والكاميرا وحقيبة المساعدات، يكتب بيده اليمنى تقارير عن معاناة المحتاجين والمقهورين، ويواسي بيده اليسرى طفلاً فقد أهله أو أمًا فقدت بيتها، أورجالاً بحاجة للعلاج ، كان (يوسف) شعلة لا تنطفئ، يعمل بصمت، يعطي بلا حدود، ويسابق الموت لينقذ حياة أو يوثق مأساة، حتى باغته الرحيل في لحظة كان فيها ، تاركًا خلفه فراغًا لا يملؤه أحد، وذكرى طيبة ستبقى خالدة في قلوب كل من عرفوه ، لقد كان (يوسف) مثالاً للصحفي والمتطوع الإنسان الذي إختار أن يهب قلمه للحق، ووقته للخير، وجهده لكل منكسِر ومُحتاج، لم يكن مجرد صحفي يسرد الأحداث، بل كان شاهداً صادقاً على المأساة، يحمل الكاميرا في يد، وعلبة دواء أو وجبة طعام في اليد الأخرى، كان صوتاً للحقيقة النادرة، عمل (يوسف) بلا كلل في أزقة الخرطوم المنكوبة، وظله يطوف مع شباب مبادرةشارع الحوادث ، يحمل الدفء للمشردين، وينقل آلام المنكوبين، حتى اختطفه الموت، اليوم، يلفّ الحزن قلوب أصدقائه من الصحفيين والمتطوعين، أولئك الذين عرفوه عن قرب، تقاسموا معه الخبز والميدان، والقصص التي تُروى على عجل ، بعضهم لا يزال في السودان، يصارع القهر والخراب، والبعض الآخر يذرف دمعاً في المنافي، على رفيق دربٍ لم يُكمل المسير، علاقتي بالراحل الزميل(يوسف) كانت قبل أكثر من عشر سنوات ، وأتذكر تمت دعوتي من قبل (يوسف ) والزميل مروان الكنزي رد الله غربته الي حفل قص شريط الإفتتاح لغرفة العناية المكثفة لمبادرة شارع الحوادث حيث تم تقديم الوالدة روية دربون بائعة الشاي المشهورة بأم قسمة في لفة بارعة لمكانة المراة السودانية وبائعات الشاي ، كنت حينها قد كتبت تقرير صحفي عن ذلك في مايو 2025م ، وحضرت أم قسمة من ولاية جنوب كردفان لعلاج إبنتها التي كانت تعاني من الاصابة بالفشل الكلوي، إلي مستشفي جعفر إبنعوف للإ طفال حيث ظلت أم قسمة تمارض طفلتها لمدة عام كامل بالخرطوم، ولجأت أم قسمة للعمل نهار أمام المستشفى وممرضة إبنتها ليلاً،وساعد شباب شارع الحوادث أم قسمة بمبلغ من المال ومطالبتها حال حاجتها للمال مرة أخري أو إي مساعدة الحديث معهم مرة أخري وهم (جاهزين) وبعد فترة من العلاج المتواصل تحسنت الأوضاع الصحية لإبنتها التي أصبحت تأتي للغسيل لفترات متباعدة، وفي العام 2010م إلتحقت (قسمة) بالمرحلة الثانوية ومن ثم الالتحاق بجامعة الأحفاد كلية علم النفس.